علمني أبي حكمة و هي أن اغبي الناس من اعتقد انه أذكى الناس , و من منا لم يلاقي هؤلاء الأغبياء أو من منا لم يشعر انه انضم يوماً لفريق الأغبياء هذا.
كم من المواقف تقف بعدها تفكر في مدى حمقك حين تذاكيت على فلان و شعورك بالحماقة يتزايد أكثر عندما تدرك أن من اعتقدته غبي و لن يدرك مخططك الجهنمي يعي كل كلمة نطقتها ( و فاقسك ) يا له من موقف فتود في تلك اللحظة أن تنشق الأرض لتبتلعك أهون من الوقوف في مثل هذا الموقف.
أتذكر عندما كنت طفلة و بطبيعة الحال اكره المدرسة و الاستيقاظ مبكرا كنت اتذاكى و اصطنع المرض إن ساقي تؤلمني أو إنني اشعر بصداع و أشياء من هذا القبيل و كان بمخيلتي البريئة اعتقد أن والدي قد ألتقموا الطُعم و صدقوا مرضي عندما يسمحوا لي أن لا اذهب للمدرسة و اعتقد انه يوم سعدي , و لكن ( علي مين ) ينقلب هذا اليوم السعيد على راسي عندما أبداء في التنطيط و اللعب و كأن روح قرد قد لبستني فتقفشني أمي و تجلس معي لنذاكر و بهذا يكون قد أنضرب اليوم و أؤمن أن المدرسة أهون مئة مرة من المكوث بالمنزل .
و كانت أمي تحكي لي عندما كنت صغيرة ( سنتين تلاتة كدة ) كنت أضع كوب اللبن على ذراع المقعد و أزيحه بالتدريج إلي أن يصل إلي نهاية الذراع فيسقط الكوب و ينسكب اللبن و بهذا أكون قد تخلصت من هذا الكابوس المزعج كوب اللبن دون أن يلقي اللوم عليا .
لكن التذاكي في الطفولة هو نوع من الحيل الدفاعية للهروب أو التبرير لشيء ما و هذا لان ليس لدينا إرادة لرفض أو قبول شيء فانا اكره اللبن و مهما فعلت و بكيت و أنا صغيرة كان اللبن سينسكب رغم انفي في أمعائي فليس أمامي إذا سوى التذاكي أما الآن فلا .
لكن عندما يصبح الشخص كبيرا و يعي و يدرك ما يدور حوله و له الإرادة ليقول لا و مع ذلك يتذاكى فان هذا لن يعُد حيلة دفاعية و إنما يعد الغباء بعينه
و أتسال كيف يتخيل احد هؤلاء الأذكياء إن افتعال الموقف أو الحديث الذي يظهر ذكائه الواضح فيه سوف ينطلي على الشخص الذي أمامه و الذي يعتقد انه المادة الخام للبلاهة و الغباء فيحيك الأكذوبة و يضحك في وجهك لتصدقها , و يكون أمامك حل من حلين إما أن تواجه هذا المتحاذق الفذ ببراعته في الغباء و انك لا تنطلي عليك تلك الألاعيب . أو انك تصطنع الغباء و إن كذبه و استخفافه بعقلك قد انطلي عليك و صدقته كله.
اكره هذا الدنجوان الذي يعتقد انه ساحر النساء و إن نظراته الفاتنة من وجه نظره و حديثه المعسول سيوقعني في شباكه فيتذاكي و يتذاكي و لن يصل إلي شيء في النهاية .
اكره تلك الصديقة المصطنعة التي تأتي ضاحكة متبسمة لتتقصى عن أخباري لأكون وليمتها اليوم على مائدة النميمة.
اكره أن يستغلني البعض في العمل ككبش فداء في المواقف العصيبة مقتنعين أنهم أقنعوني أني المذنبة و أنا أدرك جيدا أنهم هم المذنبون.
اكره من لا يحترم ذكائي و اكره عندما يخونني ذكائي ولا احترم ذكاء الآخرين .
و أخيرا
لا تشعر بالسعادة و النصر عندما تكذب و تتذاكى على شخص معتقدا انه قد صدق ترهتك تلك فمن الجائز أن يكون هو الأذكى و قد أخذك على مستوى عقلك و تظاهر بابتلاع الطُعم
( فلتحترم ذكاء الآخرين حتى يحترموا ذكائك )
تحياتي
هاجر العشري